" السلفية الشعرية في معرض الكتاب " ..أسامة حداد / مصر

لا يقتصر مفهوم  السلفية على الخطاب الديني، بل  يتجاوزه إلى أساليب الحياة والفنون، وما حدث في فاعليات معرض الكتاب يؤكد  توجه بعض القائمين على تنظيم الملتقيات والأمسيات الشعرية إلى ردة شعرية وفكر سلفي يسعى نحو إجهاض الحداثة الشعرية، وإعادة المشهد إلى أزمنة سابقة وجغرافيا صحراوية. فقصيدة النثر ليست خروجا على الأشكال الشعرية الأخرى، ولا تمثل قطيعة معها، إنها نتاج بنى اجتماعية وسياسية وحلقة من حلقات تطور الفنون والانتقال من الشفاهية إلى الكتابة، وإذا كان أدونيس قد بدأ بالتنظير مستلهما ما خطته سوزان برنار في كتابها الشهير قصيدة النثر ،فالنص الذي تصدر المشهد منذ نهاية الثمانينات يتباين مع أطروحاتهما، وفي الوقت ذاته يرتبط بمتغيرات سياسية حادة وكونية مع انهيار حائط برلين وانحسار المد القومي والسماوات المفتوحة. وهناك سمات داخل النصوص مثل تعدد الأصوات والمجاز البصري وتعدد الأساليب الشعرية والتداخل بين الفنون وتوظيف الحكاية ومفهوم الزمن داخل النص وانتقاله من التاريخيّ(الخارجي) إلى زمن داخلي مطلق وتجاوز الطبيعة الاستعارية والانتقال من الإنشاد بحثا عن الصوت الداخلي، وجميعها سمات لنص يرتبط باللحظة الآنية ويحاول جمع التاريخ داخلها، فمحاولات أدونيس شأنها شأن سابقيه الذين سعوا نحو قصيدة النثر وشكلوا هامشا لم يتسع إلا مع توافقه واللحظة التاريخية. ويمكن استعادة نصوص باذخة مثل ما كتبه أحمد راسم وتوفيق الحكيم بل وما قدمه عزت عامر  وجوهر الشعر لم يتحول فالقصيدة العربية منذ بدايتها كانت نصا هجينا تضمن الحكاية والحوار، والأمثلة على ذلك كثيرة كما كان نصا جمعيا كما يقول د. مصطفى ناصف وأيضا يتوافق مع البنى الاجتماعية التي انتجته، فلم يكن النص غنائيا كما يقال كحقيقة في الجغرافيا الوصفية كما كان التباين  بينه وبين الخطاب النثري يكمن في بحور الشعر وإيقاعاتها والتي كانت ضرورية في زمن الشفاهية والرواة، فضلا عن تحول وظيفة الشعر فلم يعد الشعر بوقا للخليفة ولا الممثل الإعلامي لقبيلته. وبالتزامن مع صعود قصيدة النثر إلى واجهة المشهد الشعري والحرية التي منحها النص للشاعر ليقدم صوته الخاص واقتراحاته وتعدد أنماط القصيدة تنطلق الثورة المضادة القادمة من أزمات سابقة في محاولة للعودة إلى الوراء وبدا ذلك جليا من خلال فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب حيث سعى بعض القائمين على تنظيم ملتقى الشعراء والأمسيات الشعرية إلى دفع خطاب سلفي نحو الواجهة في الوقت الذي تحاول الجماعة الثقافية كما تتجه الدولة المصرية نحو تجديد الخطاب الديني ومواجهة المد السلفي ومن البديهي أن الخطابين الثقافي والديني لا ينفصلان ودعم سلفية شعرية يتضمن توافقا مع خطاب متحفظ ورجعي بعيدا عن مصطلحات مثل الأبوية والبيطريكية وهذا التوجه هو ما أنتج موقفا حادا تمثل في توالي الاعتذرات من أصوات شعرية باذخة فضلا عن غياب أصوات أخرى لم.تعلن موقفها واكتفت بالمقاطعة في صمت بينما عبر آخرون برغم حضورهم عن الاستياء والغضب مما حدث إن الحياة متجددة بطبيعتها والتغيير حتمية تاريخية والفنون في حالة ديالتيكية مستمرة والمحاولات البائسة للعودة إلى الوراء والمدعومة من بعض الجماعات والجهات ستفشل حتما على المؤسسة مراجعة مواقفها والتصدي لما حدث، فإيجابيات معرض القاهرة الدولي للكتاب هذه الدورة كثيرة وأفسد الشعر ما قدمته إدارة المعرض، فالشعر يشكل وعيا جماليا ومعرفيا والغاية من معرض الكتاب مواجهة التخلف والجهل والسعي نحو الارتقاء بالفكر والعودة إلى القرون الوسطى لا تنتج وعيا ولا تقدم.

تم عمل هذا الموقع بواسطة