فى شارع خالٍ..
وهادئ دائمًا.
فى منزل أثرى..

بلكونة وحيدة..
تراقب العابرين..
وتجذبهم إليها..
بكبرياء سورها الحديدى..
ذي الوحدات الزخرفية..
«الفرعونية»، و«القبطية»، و«الإسلامية»..
فى تناغمٍ فنيٍّ عجيبٍ..
ومدهشٍ جداً.


بجوار بابها المغلق دائمًا..
تتكوم..
دراجة طفل صدئة..
تئن ليلاً من الوحدة.

وكرسى خشبى..
بثلاث أرجل..
قد انطفأ بريق عينيه..
لأنه يبكي كثيراً..
كلما تذكر..
كيف كسرت ساقه الرابعة.

وانسيال..
وتوكه بلاستيكية..
عالقٌ بها بقايا من شعر فتاة..
كان يتساقط دائماً..
من عرضٍ لمرضٍ ما.

وكرسي من الخيزران..
مصنوعٌ من سيقان
يعاني دائماً..
من الثبات..
بعدما كان يرقص..
ويهتز فرحاً كبليرينا
يعاني دائماً من «الزهايمر»
كلما غطته..
مزيداً من أشباح الأتربة.


وفى ركنها البعيد..
سجادة «إيرانية» متصابية
تضع المكياج الثقيل ليلاً..
كى يدوس كبرياءها..
حذاء أحد العابرين.

وملزمة صفراء..
منفلتة من غلاف كتاب قديم..
عن استدعاء «ملوك الجن»
وصرف «العفاريت».


وقطع من «الشطرنج»
على طرابيزة من الرخام..
دائمًا ما تقع مجهدة..
من معاركها المتكررة..
وحروبها الكثيرة..

ورِجل مبتورة..
لكرسى خشبى..
ينوح كناى وحيد..
بعيداً عن توائمه الثلاثة.

بقايا طعام جافة..
فى أوعية فخارية.
فى شارع خالٍ..
فى منزل أثرى..

بلكونة وحيدة..
تتذكر دائماً..
آخر بصمات أصابع..
كانت تربت علي حائطها..
وهي تدق مسمارا..
من الصُلب الفضى..
لتعلق عليه..
عناقيد من «البصل»، و«الثوم الأخضر»..
تذكرت الآن..
رائحتها النفاذة..
وأن كل ما تبقى منها..
هو تلك السيقان الجافة..
التى تبدو مكتئبة وشاحبة جداً..
على مسمارٍ من الصلب الصدئ.

تتذكر دائماً..
ليونة صدر تلك البنت..
المنتصب جداً..
وهي تدندن بإحدى أغانيها المفضلة..
عندما تنشر ملابسها الداخلية..
المبتلة دائمًا..
وسبتها الخيزران..
المبطن بالقطيفة الحمراء..
وهي تدلدله لصبي المكوجى..
ليرسل لها مع الخُضار والفاكهة..
من العربة الكارو..
أحلاما مطوية بعناية فائقة..
وملتهبة جداً.


بلكونة وحيدة..
فى منزل أثرى..
فى شارع هادئ دائمًا.
سمى الآن..
باسم أحد شهداء الثورة..
وكان باسم أحد باشوات..
العهد «البائد» سابقاً.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة