ثمة ولد في الذاكرة بعينين واسعتين وشعر قصير
يصل قبل الجميع وينتظر بصبر
الولد الذي يحضر الكرة عندما تطير بعيدا
والذي يضع حجرا على ملابس اللاعبين وكتبهم لئلا يأخذها الهواء
الذي يحرس الحقائب ويحضر الماء ويسجل الأهداف على ورقة.
ثمة ولد بساقين نحيلتين من قصب
هو نفس الولد السابق
يتطوع ليشتري السجائر الممنوعة من الحانوت الأبعد
حيث يعيش تاجر بدين وابنته الماكرة
وثلاثة كلاب كسولة
ويحمل الرسائل المطوية على الوله لبنات المدرسة المجاورة
حيث يكمن حارس مسن وغضوب
وبنات الجيران
حيث يطوف آباء حذرون وأمهات يبصرن في العتمة.
ثمة ولد يصل قبل الجميع بكتفين نحيلتين وأصابع طويلة
هو نفس الولد الأول والثاني
يضحك على الحكايات المعادة والمغامرات البائسة وبطولات طائشة بلا شهود
ويحفظ تفاصيل صغيرة لترميم ثغرات رواة أخذتهم الحماسة
يصغي بقلبه المهتم ودهشة عينيه لأغنية عبث بلازمتها الكورس
يواصل الضحك حتى يستلقي على ظهره
ويتودد لكل شيء.
ثمة ولد يصل قبل الجميع، بقميص مشجر وحذاء واسع
هو نفس الأولاد الثلاثة
يجلس قرب دغل القصب على ضفة النهر
ينظر للسابحين العراة
ويحرس اسمالهم
ويطلق على الأشياء ألقابا ماجنة.
ثمة ولد يصل قبل الجميع، بأسنان بارزة ولثغة ضاحكة
هو نفس الأولاد الأربعة
يتفقد ثمار الجوافة الناضجة
وحبات "الكلمنتينا" القريبة من السياج
يطلق اسماء بشرية على الأشجار
ويبني أفكارا لسرقات الليل
وخدائع للنواطير.
ثمة ولد ينهض قبل الجميع، بوجه شاحب وعينين لامعتين
هو نفس الأولاد الخمسة
يقرأ درس اللغة العربية
ويكتب خرابيش الدجاج
ويقضي وقتا طويلا في زاوية القصاص دون شكوى.
ثمة ولد يذهب قبل الجميع، بصوت مبحوح وضحكة قديمة
هو نفس الأولاد الستة
قفز عن الجدار
وترك ثغرة في كل شيء
منها يدخل الحب والأسى والحظوظ الضائعة.