1. كانت ميتةً "ضيزى"
تلك التي حدثتْ لنا
متّ أنتَ مبكّرا
بين سهْوينٍ، وحربٍ صغيرةٍ
بينما متّ أنا
واقفا في العراءِ
بين أدْخنةٍ، وغمامٍ
مثل بحّارٍ يقيسُ حجْمََ الْمسافةِِ
بين أنْفاسِه
وآخرِ الأحْزانِ!
2.
ميتان نحنُ
يحْتميان بالجدْران
من البرْد، والأسى
يدسّانِ الكثيرَ من القصائدِ
في وسائدِ الصّغارِ
ويعبران بوّابةَ المدينةِ
بانْحناءةٍ صغيرةٍ
ونصفِ نهارٍ!
3.
واقفيْن، كنّا، على حافةِ البرْقِ
بيْنَنا غاباتٌ، وأدْخنةٌ بيضاءُ
مُشاةٌ يقيسونَ كتْلةَ الْحرائقِِ
في شُهْدةِ القلبِ
واشْتباكِ السّنابلِ بالضّفائرِ
في يومٍ قائظٍ
بيننا عرقٌ، وقراصنةٌ
يعْمُرونَ الفراغَ الواصلَ
بين غُصّةٍ، وأخْرى
بيننا رشّةُ مسْكٍ، وأحلامٌ
هل أدلّكَ على وجَعي؟
الكدْمةُ الزّرقاءُ التي تراها
تحتَ لسانيلم تكنْ سوى دمعة علقتْ
بأتْربةِ البيوتِ، و بردِ الْمساءِ
الوشْمُ الذي تراهُ على ساعدِي
لم يكنْ سوى موْجة صغيرة
يبستْ بين أغْصاني
وجعي امْرأةٌ نسيتْ جثّتي
قرْب موقدِ النّارِ في غرفتِها
وراحتْ تبحث عنّي
بين معاطفِ القادمينَ
وجعي صاحبُ أتلفَ الصّلصالَ كلّه
وألواحََ المنْشدين القدامى
ونام إلى جانبي على حافةِ البرقِ
مطْمئنّا إلى بأسِ الحديدِ
وسهوِِ الحمامِ عن مزاميرِ الرّعاةِ!
4.
لمّا متُّ علّقني
على عامود من الرّخامِ الأزرقِ
ودلّني على بَرّ بعيدٍ
ودمٍ جارٍ بين بيتٍ، وبيتٍ
ومثل حمامةِ الطّوفانِ
طويتُ مواسمَ اللّوزِ، والأزِقّةَ القديمةَ
أيقظْتُ جاراتِي المسْرعاتِ
إلى نضجِهِنّ بمكرٍ شديدٍ
واعْترَضتُ أول النّدى، وآخرَ الطّميِ
لكنّي زلقتْ قدمايَ بالْبخارِ الْعالقِ
بين نافذتيْنِ
وتلعْثمْتُ في الكلامِ
عبرتُ الآن خمسين بابا
عبرتُ العواصفَ كلّها
ومخابئَ البرقِ
وما حدّثْتُ الناسَ بغير الإشارةِ
ما نطقتُ، وما سكتٌّ
ما نجوتُ مع النّاجينَ
وما اشْتبَكتْ آهاتُ الأوّلينَ بأنْفاسي
أكانَ من الضّروريّ
أن أعبرَ ضَوْضاءَ الدّم المَشاعِ
إلى هدْأةِ الضّبابِ في هذا الوقتِ من الليلِ ؟
5.
حين متْنا
وانْتهى الْباكونَ من السّلامِ على بعْضهمْ
والْتفتَ الحفّارُ إلى هرجِ النّهارِ بين أكْمامِنا
لم يعْثروا على ضحْكاتِنا
والعصافيرِ التي شدّتْ ضفائرَنا
إلى مراعي الغزْلانِ
كنّا بعيديْنِ جدّا عن محاريثهمْ
أنظرْ إليهمْ
إنّهم يفْحصونَ حجارة َالوادي
والزّرعَ المجاورَ
يهْرشون الْحرائقَ الكبيرةَ
والْقلقَ النّاضجَ في عيونِ الأراملِ
ولا يعْثرونَ على سببٍ واحدٍ
لابتهاجِ الْياسمينِ ببرْدِ الصّباحِ
كنّا بعيديْنِ جدّا
وغريبيْنِ عنّا!
6.
أنت يا إِلْفي
كُفّ عن الْحنينِ إلى كرسيّ هزّازٍ
في شاطئٍ مهجورٍ
ووردةٍ تطلّ دوما من نافذةٍ بعيدةٍ
دعْكَ ممّا ترى الآنَ
وكنْ شجاعاً
قفْ بين الطّيورِ
على سيقانِ السّنابلِ
والْفِخاخِ غيرِ الْمنظورةِ
وعلى حافةِ الشتاءِ المَهيبِ
كن شجاعاً
واحْتملْ طيْشَ اللّواتي
شققْنَ سرّةَ الأرض باسْتدارةٍ سريعةٍ
وانْصرفْنَ إلى قلقٍ جديدٍ!
7.
مائليْن إلى مغيبِ الشّمسِ، كنّا
أعلى قليلاً منْ مراتبِ النّسْيانِ
وأدْنى من دخانٍ سائرٍ
أحدّثني عنكَ، وعنّي
عن شتاءِ الْعامِ الْماضي
وآلافِ الرّسائلِ التي لمْ نقرأْها
وصارتْ شجراً، وعَنادِلَ
عن ضحْكةِ قنّاص باغَتهُ
صيْدٌ شاردٌ بقُبلةٍ خاطفةٍ
وانْعطافٍ سريعٍ إلى طراوةِ الصّباحِ
تُحدّثني عنِِ الثّورةِ المغْدورةِ
والْحلاجِ، وديكِ الجنّ
وقبّعاتِ اليتامى الممْلوءةِ قمْحا
وهديلاً
تُحدّثني عنِْ شهْقةِ ليلى
والنّارِ التي وقَدتْ في كمّ قيسٍ
بينما أصْغي إلى خشْخشةِ الْهشيمِ
في معاطفِ الْقادمينَ!
8.
كان بوسْعنا
أن نهجرَ القرْيةَ التي نجّيْناها
من نفْخةِ الملْحِ في عرقِ الْخيولِ
ومن راجماتِ الطّيرِ بلا سببٍ واضحٍ
وأن نكْملَ سهْرتَنا في مخبأٍ بعيدٍ
بين فجّ عميقٍ، ونجْمتيْن
كان بوسْعنا
أن أعضّ صفْصافَكِ الْعالي
وما بين أكْمامهِ من شهْدٍ، وظلالٍ
فتمْطرينَ
و أن تحْملي أنْفاسي إلى أقْصى الْمرافئِ
تشْربينَ ما في ساقيَتي
من فرحٍ، وهتافٍ
فتصيرينَ رذاذاً
وأصيرُ ورْداً خالياً من الدّهونِ، والأوْهامِ
وأن نسيرَ معاً
على حافةِ البرْقِ ثانيةً
كان بوسْعنا كلّ هذا
لكنّا، من فرْطِ الشّوقِ
فقدْتِ الْبصيرةَ، واكْتفيتُ بالإشارةِ!
9.
أنا الحيّ الميتُ فيكمْ
لمْ أرَكمْ تعْبرون مع الْعابرينَ
إلى لوْعةِ الطّيرِ في مسالكِ العمْيانِ
ولم أرَ على أكْتافِكمْ حرَجاً، وَطِيناً
كنْتم تَزِِنونَ الْخطوَ، والنّدى
بميزانِ الذّهبِ
وكلّما أرْسلْتُ نهْراً جديداً
تباطأْتمْ في الْعناقِ
وأنا الْميتُ الحيّ فيكمْ
حارسُ الضّبابِ الْكثيفِ
بين بابٍ، وبابٍ
دليلُ الْكائناتِ إلى نَداوَةِ الرّملِ
وآخرِ الأحْزانِ
أذكر أنّي حملتُ الْغامضَ
منْ فرح الأوّلينَ إلى مرْتعٍ بعيدٍ
مطْمئنّا إلى حكْمةِ اللواتي
تَخََطّيْنَ يقينَ الرماةِ
إلى هرجِ الْماءِ بينَ المنْحدَراتِ
شاهقاتٍ، ومبْتهجاتٍ
أذْكرٌ أنّي خفْتُ قليلاً
من نُباحٍ متختّرٍ بين نافذتيْنِ
ومنْ لزوجةِ الدّمِ في الْبياضِ الْواصلِ
بين جمْجمتيْن، وشرفةٍ
فطفْتُ عليكمْ بأفْراحي
وبين أحْمالي حبقٌ كثيفٌ
وبضعُ أغْنياتٍ عنِ الْمذابح
والْحرْثِ، والنّساءِ
وما رأيتُ على أكْتافكمْ حرَجا، وطِيناً
كنتمْ ضجِرينَ
وصامتينَ مثل رسائلَ ملْغومةٍ
فابْتكرْتُ بلاغةَ الْبرقِ
ومتّ!
10.
قبلَ الْمماتِ الْكبيرِ
بوَردتيْن، أو أقلّ
جرحْتُ غيماً صغيراً
في رُهابِ الْحطّابِ
وبلّلتُ عزْلةَ الفأْسِ
وأسئلةَ الْعواصمِ الْقديمةِ
حملتُ جثّتي نصْفَ نهارٍ
من قلقٍ، إلى قلقٍ
ومن طعْنةٍ، إلى أخْرى
من عثْرةٍ، إلى بلدٍ غائمٍ
ومنْ هوَسٍ بالصّفصافِ الْعالي
إلى ولَعٍ بمديحِ الْعواصفِ
وعلى كرْسي هزّازٍ
في شاطئٍ مهْجورٍ
محوْتُ جثّتي
واخْتليْتُ بماءٍ لَجوجٍ
مالحٍ، ولذيذٍ!