يعرف لنا التاريخ الشعري وجود علاقة جدلية وتوافقية بين بنية التاريخ الميثولوجي والخيال البشري، ويركز شتراوس على إن الخيال منتج للأساطير، وهذا بدوره نراه يدعم روح التطور البشري، والشعر تاريخيا مقرون بتطور الحضارات وغير منفصل عنها فهوميروس وامرؤ القيس والمتنبي والسياب ابناء اساطير بشرية، وأن كانوا في المنسوب الشعري ابناء للآلهة، وهم فعلا يقع موقعهم بين هذا وذاك، وقد اهتم الشعر بأن يكون نسقا اسطوريا رغم أنه كتابة بشرية، وفي سيرورة الشعر نجد ثمة بلاغات اسطورية انسجمت مع الخيال، بل هناك تبني من الجهتين للآخر، فالأسطورة هي قد تبنت الشعر مضمونا مثلما تبنته الفلسفة، وقد تناسبت وتوافقت وانسجمت القيم فيما بينها، وبعيدا عن فكر السياب نجد محمد ادم قد تبنى الميثولوجيا من جهة بوصفها تاريخ حضاري، ومن جهة اخرى بوصفها نسق اسطوري وشعري، ففي قصيدة النص الاجمالي – متاهة ابراهيم – لشاعر محمد ادم نلمس من خلال بنية العنونة فكرة تداخل التاريخ والمعنى، والعنونة هنا كانت جديرة بالتعالق مع المتن الشعري، وان تكون نصا موازيا له ايضا، وهي اولى العلامات او مفتاح تشفير الدخول الى اور، والتي انبثق النص الشعري تاريخيا منها رغم وجود برهة انية لكتابة النص منفصلة ومتصلة بالتاريخ، ووعي الشاعر عندما يمتلك جدارة ميثولوجية يختلف كثيرا عن طبعه الشعري الاجتماعي وهذا ما تميز به محمد ادم، فهو في تأكيدنا لذلك نجده قد بدأت لحظته الشعرية الحرجة من اور وانطلق منها نحونا، وكان استهلال نصه بسؤال شعري هو تأكيد مضاف على تلبسه ذلك الحس الميثولوجيا كمندهش بروحه الشعري وكمعايش بروحه البشرية .
تُرى
لمَ كل هذا الليل؟
لمَ كل هذه الغيوم؟
هل الشاعر الذي يستهل قصيدته بسؤال هو يسألنا كمنظومة تلقي، ام هو يبادرنا بسؤال يملك نصف الاجابة ليس أن يحررنا به من وهم اللحظة البشرية الملتبسة الى قناعة مختلفة ازاء تلك الميثولوجيا التي تغطيها من فوقها الظلام والغيوم، مؤكد ليس هناك احتمال الى أن الشاعر يسألنا نحن كصفة تلقي عام اولا وخاص ثانيا، بل هو يهدف الى اثارة احساسنا بالشعر اكثر مما اعتاد، والشعر نبوغ جوهري وليس كما الرواية يكون النبوغ ظاهريا، وتجربة محمد ادم تحيلنا الى ذلك في هذا النص القصيدة الاثر، ففي مقطع يتصاعد فيه نفس الميثولوجيا عبر المتخيل الشعري .
أتوكأ على عصاى لأهش بها على خياناتى
أحياناً
يخيل إليّ أن هذه العصا ثعبان
وأحياناً أهش بها على مخاوفى المتراصة مثل جبل
وتنمو على وجهى مثل فطر بثآليلْ
تفسير ما لا يفسر من الميثولوجيا فسره لنا الشعر بعد اعادة انتاجه متخيلا، وهذا ليس تناصا صرفا، بل نسميه اتصال بالفكرة الجاذبة ميثولوجيا، فقد جذبت عصا موسى نحوها الوعي الشعري، لكنه ما استنفد طاقته الخيالية في انجذابه، لذا تمكن من موازنة الامر، فاكتساب ذلك المعنى الاسطوري المتعدد الوجوه اشاري وعلاماتيا ودلاليا يشكل اهمية للوعي، لكن الوعي يراهن على ذائقته في تضمين ذلك المعنى، وفي تفسيرنا اللساني نجد أن النص شهدت بنيته افقيا وشاقوليا عدة صيغ اركلوجية لكن بإدارة شعرية لنلك الصيغ، وجعل التعبيرات تحتمل لسانيا داخل مجال اللغة الشعرية, وفي هذا المقطع الشعري نلمس تخلي اللغة الشعرية عن نفسها رغم ترادف صيغ الميثلوجيا وموازاة الملامح الاركلوجية ايضا .
عن أي عزاء أبحث لنفسي أنا إلى جوارك
أيها السيد القاحل
وعن أي شيء تفتش أنت أيها الفقمة
لقد تلاحقت جمل اشارية عديدة في الاثر الشعري – متاهة ابراهيم – لكن ذلك كان بهدف تحديد معالم ظاهر النص الشعري من جهة اولى, وهي من جهة ثانية كانت كمعالجة لغوية اهتمت بها بنية النص, ومن جهة ثالثة هدفت تخفيف وطأة العلامة الميثولوجية, وكانت ضرورة المتن النصي الاحادي, والذي انابت به القصيدة عن قصائد اخرى، وكانت كنص تاريخ وميثولوجيا ووعي شعري، وهذا المثلث مثل تعبيرات النص بمجملها ومن كافة الوجوه حسب العلاقة اللغوية والدلالية .